بسم الله الرحمن الرحيم. ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ).
إلى إخوتي الليبين واخواتي الليبيات، أحفاد الشهداء والمجاهدين والعلماء والصابرين الذين يحولون الفشل إلى نجاح، إلى اصحاب الرؤى وأصحاب العزم الذين يواجهون التحديات بالصبر والتسامح والعلم والعمل، إلى الذين يكافحون من اجل انتشال الوطن من الفوضى والفشل والفقر والجهل والمرض والتخلف. ووقف مايخطط له أعداء الوطن بافتعال الأزمات المتتالية ومحاولة إعادة تشكيل هوية المجتمع الليبي، ونهب موارده وثرواته. إلى بناة الأوطان الذين يضحون من اجل البناء ، لقد حان الوقت وجاءت اللحظة إلى العمل الجاد لفك ليبيا من الفصل السابع وإعادة سيادتها، وافشال مايخطط له أعداءالوطن والإنسانية من إزالة إسم ليبيا من خارطة العالم. وعليه يقع على عاتق الليبيين والليبيات العمل وبكل جدية، التعاضد والتكاثف وينظروا إلى مستقبل أولادهم وبلادهم ووطنهم وثوابتهم الدينية والوطنية ومستقبلهم في التاريخ المشرف وفي التنمية الأقتصادية والاجتماعية ، وينطلقوا بعلماءهم وحكماءهم وشيوخهم وشبابهم بنضالهم الثقافي في المنارات والمؤسسات العلمية بإقامة الندوات والمؤتمرات وورش العمل في سبها وفزان ، وعموم الوطن ،لوقف التيار الجارف الذي يهدد ليبيا والأمة. وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه إنه سميع الدعاء. أ.د. محمد حسن عثمان الحضيري 14.4.2025
في السنوات أو العقود الأخيرة، بدأ العالم يشهد أنواعًا عديدة من الهوس المرتبطِ بالذات، وأحدُ هذه التمظهرات نجده في ما أصبح يعرف بـ"التنمية البشرية" (تنمية وتطوير الذات) التي أصبحت صناعة تدرّ على أصحابها الملايين، عبر التطبيقات وورش العمل والدورات التكوينية الحضورية والـ"أون لاين" التي تعدك كلها بأنك ستكون نسخة أفضل من نفسك إذا اتبعت بعض الخطوات، وقد يرى المتأمل أنها منقسمة لشقين، الأول يبيع الوهم الخالص؛ أي لا يقدم لك سوى بعض البهرجة دون أي فائدة مرجوة من أجل "تطوير الذات".
أما الشق الثاني، فهو الذي يفلح فعلا في تقديم بعض الأدوات للمستفيد، ولكنها لا تساعده في "تنمية الذات" بقدر ما تساعده في تنمية الرأسمالية التي تطالبنا بالمزيد دائما، فإذا كنت موظفا مثلا فإن ثقافة التنمية البشرية تدفعك نحو السعي لتكون موظفا بشكل أفضل؛ ومنه كيف تستفيد منك الرأسمالية بشكل أفضل، كما أن هذا السعي نحو "تطوير الذات" قد يجعل نفسية الإنسان معرضة لأمراض عديدة قد تبدأ بالإحباط من عدم تقدير الذات والتي قد تمتدّ للنرجسية التي تطال النفسية بفعل تضخم الذاتية التي يكتسبها المرء من محيط فلسفة "التنمية البشرية".
كتاب "التنمية البشرية: تقنيات الروح في عصر الذكاء الاصطناعي" (الجزيرة)
ومن أجل فهم أعمق لهذه الأمور وغيرها تحاور الجزيرة نت، البروفيسور"مارك كوكيلبيرغ" (Mark Coeckelbergh) أستاذ فلسفة الإعلام والتكنولوجيا في قسم الفلسفة بجامعة فيينا ونائب عميد كلية الفلسفة والتربية السابق لجامعة فيينا، والرئيس السابق لجمعية الفلسفة والتكنولوجيا، وصاحب مؤلفات عديدة من بينها كتاب "التنمية البشرية: تقنيات الروح في عصر الذكاء الاصطناعي" (Self-Improvement: Technologies of the Soul in the Age of Artificial Intelligence) الصادر عن مطبعة جامعة كولومبيا العريقة عام 2022 وعلى ضوء هذا الكتاب طرحنا في الجزيرة نت، مجموعة من الأسئلة على البروفيسور"مارك كوكيلبيرغ" فإلى الحوار:
هل هناك امتداد فلسفي لـ"التنمية البشرية" التي نراها اليوم تغزو حياتنا اليومية؟ وهل حضورها في الفلسفة قديم أم حديث؟
صحيح هناك امتداد فلسفي لـ"التنمية البشرية" في الفلسفات القديمة، وخاصة الفلسفة الغربية؛ حيث إننا نجِد لها صدى في الفلسفة اليونانية القديمة، ويمتد إلى الفلسفات الحديثة، وقد تناولت النزعة الإنسانية الغربية هذا الأمر، ثم تناولته أيضًا في العصر الحديث، وسبب اهتمام الفلسفة بـ"التنمية البشرية" مردّه أساسا مركزية الفرد داخل المنظومات الفلسفية، لذا إذا استحضرنا ما هو موجود في الفلسفات الغربية وتأثيرها على الفرد فإننا بالتأكيد سنستنتجُ بالضرورة الحاجة لاستهلاك "التنمية البشرية"، لأنها المنتج الطبيعي الذي تقدمه لنا الفلسفات الحديثة، وخاصة تلك التي تدعم الرأسمالية والفردانية والنزعة الإنسانية، فكلها تمهد الطريق لخطاب "التنمية البشرية" الذي سيردد على أسماعك عبارات مثل "طور نفسك" و"استخرج أفضل نسخة من نفسك".
هناك امتداد فلسفي لـ"التنمية البشرية" في الفلسفات القديمة، وخاصة الفلسفة الغربية؛ حيث إننا نجِد لها صدى في الفلسفة اليونانية القديمة، ويمتد إلى الفلسفات الحديثة، وقد تناولت النزعة الإنسانية الغربية هذا الأمر، ثم تناولته أيضًا في العصر الحديث، وسبب اهتمام الفلسفة بـ"التنمية البشرية" مردّه أساسا مركزية الفرد داخل المنظومات الفلسفية
خطاب الفلسفات التي تعطي قيمة مركزية للفرد بالضرورة ينتج سردية يمكن استهلاكها من قبل من يروج لـ"التنمية البشرية" مثل كيف تكون فردا مهما جدا وأحيانا الأكثر أهمية.
خطاب الفلسفات التي تعطي قيمة مركزية للفرد بالضرورة ينتج سردية يمكن استهلاكها من قبل من يروج لـ"التنمية البشرية" مثل كيف تكون فردا مهما جدا وأحيانا الأكثر أهمية.
هل "التنمية البشرية" جيدة أم سيئة؟ ولماذا تربطها بما أسميته بـ"فخ العافية الرأسمالية"، هل لأنها تحوِّلنا إلى سلع بدل التركيز على الجوهر الإنساني والمجتمعي؟
فكرة "تنمية الذات" بحد ذاتها فكرة جيدة، خاصة إذا اقترنت بفكرة أخلاقية عن الحياة الطيبة والمجتمع الصالح.
المشكلة هي أننا في الوقت الحاضر ندمجها مع الفردانية والرأسمالية وبعض الفلسفات التي تقوم بـ"تسليع" الفرد من أجل أن يكون مؤهلا ليعمل داخل آلة الرأسمالية القائمة على الربح فقط، وهذا لا يُخرج أفضل ما فيك بقدر ما يخرج أفضل ما يصلح للرأسمالية بداخلك، وهي ثقافة يتم فيها استغلال الناس، كما أنها تؤجج النزعة الاستهلاكية، حيث تتقوى فكرة أنك لن تكون أفضل إلا إذا قمت بشراء سلع وخدمات وأشياء لا حصر لها؛ ومنه تحوّلك ثقافة "التنمية الذاتية" إلى شيء يستهلك "أشياء"، وهو الأمر الذي يزيلُ النزعة الإنسانية من الإنسان والمجتمع.
المشكلة هي أننا في الوقت الحاضر ندمج "التنمية البشرية" مع الفردانية والرأسمالية وبعض الفلسفات التي تقوم بـ"تسليع" الفرد من أجل أن يكون مؤهلا ليعمل داخل آلة الرأسمالية القائمة على الربح فقط
ولذا فإنك تجد الأشخاص الذين تستهويهم هذه الثقافة يواصلون العمل على تحسين أنفسهم، لكنهم في نفس الوقت لا يتحسنون حقًا، حيث لا تتحسن صحتهم النفسية والبدنية، بل تبتلعهم الرأسمالية عبر ما أسميه بـ"فخ العافية الرأسمالية".
اشترك في
النشرة البريدية الأسبوعية: سياسة
محمي بخدمة reCAPTCHA
"فخ العافية الرأسمالية"، يجعل المرء يحاول دوما منافسة غيره ونفسه، حيث تغذي سردية "تنمية الذات" فكرة تحسين النفس بشكل يتفوق فيه الفرد على الآخرين ليتحول ذلك إلى هوس، ثم يتطور عند البعض ليصل حدّ التفكير في أنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية، وأنهم يشعرون بقدر أقل من الثقة بالنفس، وأنهم غير جديرين بالمكانة التي هم فيها بالمقارنة مع الآخرين، أو حتى بالمقارنة مع الآلات (مؤخّرا)، وهو ما يخلق جيلا كاملا من الأشخاص الذين يشعرون بالإحباط والتعب والاكتئاب الشديد بفعل العمل على الذات، ليتحول "تطوير الذات" إلى كابوس للأفراد بدل أن يكون حلما يجب تحقيقه.
يمكن اختزال النرجسية في كونها الفكرة التي تجعلك ترى نفسك أهم شيء في العالم، وأنك مركز للكون وكل شيء يتمحورُ حولك، لذا هي نوع من أنواع التمركز حول الذات وهي في الأساس تجسيدٌ لغياب الوعي بأن ما أنت عليه في الواقع يرتبط دائما بأشخاص آخرين، ويرتبط بالطبيعة أيضًا
هل "التنمية البشرية" تسقطنا في "النرجسية" عبر بوابة التمركز حول الذات؟ وما خطورة ذلك؟
كلامك صحيح، يمكن اختزال النرجسية في كونها الفكرة التي تجعلك ترى نفسك أهم شيء في العالم، وأنك مركز للكون وكل شيء يتمحورُ حولك، لذا هي نوع من أنواع التمركز حول الذات وهي في الأساس تجسيدٌ لغياب الوعي بأن ما أنت عليه في الواقع يرتبط دائما بأشخاص آخرين، ويرتبط بالطبيعة أيضًا. نحن نعتمد بشكل كبير على العالم والآخرين من حولنا وتربطنا بهم علاقة وثيقة، لذا فالنفس السوية تدرك أنها تعتمد على المجتمع الذي تعيش فيه.
وعودة لثقافة "تنمية الذات" فنحن أمام ثقافة قريبة من النرجسية، حيث يخطو المرء خطوات متسارعة من خلال ثقافة "التنمية البشرية" نحو النرجسية، فبفعل هذه الثقافة نركز كثيرًا على أنفسنا وننسى الجانب العلائقي الذي يربط الذات بالآخر والغير والمجتمع والفضاء، حيث يمسي المرء مستعدا ليدخل نفسه في مشاكل تؤذي صحته النفسية والبدنية لكي يكون أفضل من الجميع عبر "تنمية الذات".
نحن أمام ثقافة قريبة من النرجسية، حيث يخطو المرء خطوات متسارعة من خلال ثقافة "التنمية البشرية" نحو النرجسية، فبفعل هذه الثقافة نركز كثيرًا على أنفسنا وننسى الجانب العلائقي الذي يربط الذات بالآخر والغير والمجتمع والفضاء، حيث يمسي المرء مستعدا ليدخل نفسه في مشاكل تؤذي صحته النفسية والبدنية لكي يكون أفضل من الجميع عبر "تنمية الذات".
"التنمية البشرية" لا يمكن أن تسير في تجاه صحيح إلا إذا أدركنا أنه لا يمكننا التحسن إلا إذا قمنا بتحسين أنفسنا انطلاقا من مقاربة أخلاقية تحترم الغير والآخر والمجتمع والفضاء؛ هذه أخلاقيات أساسية للغاية وهي ليست مجرد أخلاقيات معيارية بمعنى أنها تشبه المعايير التي تُفرض علينا خارجيًّا، إنها أخلاقيات نابعة من الخبرة، ومن حكمة أجيال عديدة في تاريخ البشرية، إننا نعلم أنه يتعين علينا أن نهتم ببعضنا البعض وهذا أمر جيد بالنسبة لنا، إنه جيد للآخرين، إنه جيد للمجتمع. لذا أعتقد أنه إذا ذهبنا في هذا الاتجاه الأكثر ارتباطًا، يمكننا الخروج من فخ تحسين الذات هذا، من هذه النسخة النرجسية من تحسين الذات.
هل التخلص من فخ "التنمية البشرية" يتطلب شجاعة لإحداث قطيعة مع بشاعة الرأسمالية؟
سؤال جيد، لذا بجانب هذه الحركة العلائقية التي شرحت للتو فإن الحل الذي اقترحته في الكتاب يعمل على تغيير أنفسنا، عبر تغيير المجتمع. علينا أن نجعل المجتمع أفضل لأن هذه البيئة الرأسمالية القائمة على الاستغلال ليست في آدمية الإنسان، ولذلك إذا ركزنا فقط على تحسين الذات وتغافلنا عن البيئة التي تحيط بنا فإننا بذلك نسقط في فخ الرأسمالية وعجلتها التي ستحولنا إلى مستهلك لسلعها، أو سلعة قابلة للبيع.
علينا أن ننظر إلى النظام الاقتصادي الاجتماعي الأوسع؛ أعتقد أن الرأسمالية وخاصة في نسخها الأكثر تطرفا، كانت وراء جعل حيواتنا أصعب، وصنعت "حلما" لكل شخص تبيعه لنا، لتشعر الجميع بالحاجة لضرورة تطوير الذات المستمر، وبأن تحقيق الهدف النهائي لا يتمّ سوى عبر نفق "التنمية البشرية"
ولهذا السبب علينا أن ننظر إلى النظام الاقتصادي الاجتماعي الأوسع؛ أعتقد أن الرأسمالية وخاصة في نسخها الأكثر تطرفا، كانت وراء جعل حيواتنا أصعب، وصنعت "حلما" لكل شخص تبيعه لنا، لتشعر الجميع بالحاجة لضرورة تطوير الذات المستمر، وبأن تحقيق الهدف النهائي لا يتمّ سوى عبر نفق "التنمية البشرية"، وهو ما يجعل المرء يرفض نفسه ومقدراته الفطرية التي ولد بها، حيث يسعى المرء إلى تحسين "جماله" و"رشاقته" و"مهاراته" حتى يكون لائقا لسوق الرأسمالية التي لا تقبل الجميع بداخلها، وهي ثقافة سامّة للغاية. لذا فإن ما يتعين علينا القيام به هو إما أن يكون لدينا نظام مختلف تمامًا ومجتمع غير رأسمالي أو مجتمع رأسمالي ولكن يتحول بطريقة تساعد الناس على الازدهار وتساعدهم على التطور والتحسن بطريقة متصالحة مع ذوات الناس وتتقبل نواقصهم.
نحن أمام خيارين، إما أن نقوم بتغيير ذواتنا من الداخل، لكن إذا فشل هذا المسعى فإننا سنكون أمام خيار آخر متمثل في ضرورة إحداث تغيير خارجي جذري
وهنا نحن أمام خيارين، إما أن نقوم بتغيير ذواتنا من الداخل، لكن إذا فشل هذا المسعى فإننا سنكون أمام خيار آخر متمثل في ضرورة إحداث تغيير خارجي جذري. لكنني أنوه أن مسار التغيير عليه أن يبدأ من الداخل لتجنب صدامات أخرى، علينا أن نغير النظرة تجاه الثقافة المتمركزة على الاستهلاك والمال، والتي من خلالها تم ربط كل خيوط "تنمية الذات" لجعلها مؤهلة للتحصيل المالي والاستهلاكي الأعلى، لأن هذا المسار ليس "تنمية للذات" بقدر ما يجسد "تنمية للقدرات الإنتاجية"، وهو الأمر الذي يجعل منا آلات أكثر من أن نكون بشرًا.
البروفيسور مارك كوكيلبيرغ: الرأسمالية وخاصة في نسخها الأكثر تطرفا، كانت وراء جعل حيواتنا أصعب (الجزيرة)
هل يجبُ أن نتحلى بالشجاعة لبناء نموذج جديد للعالم؟ وهل هذا ممكن؟ وما علاقة الحكمة بذلك؟
إذا نظرنا في كتابات ماركس الأولى، على سبيل المثال، فإننا نجدهُ يتحدث عن التحرر والتنمية البشرية، وأعتقد أن مقصده من كتاباته، مرده سعيه نحو بناء علاقة معينة بين المرء وعالمه الخارجي القائم على آليات الإنتاج، فتركيزنا على الاقتصاد، يحجب عنا التفكير في العلاقة مع نظم أوسع سياسيا واقتصاديا تحتاج منا للتغيير من أجل أن يتحسن وينمو ذلك الإنسان حقا.
علينا أن نذكر أنَّ الاقتصاد في حد ذاته ليس مهما، المهم أن يتمكن البشر من التطور ويمكنهم أن يتطوروا معًا بحيث تتحسن جودة مجتمعنا وحيواتنا بصيغة الجمع؛ ولذلك، إذا كان من الضروري تحويل أنظمتنا الاقتصادية والسياسية لهذا الغرض، فيجب علينا أن نفعل ذلك.
على الحكمة أن تقودنا لأن نتحلى بالشجاعة المطلوبة من أجل تجريب ما إذا كان قدرُ الإنسان سيكون أفضل إذا غيّر نظامه الرأسمالي وجرب نُظما أخرى قد تعطي للإنسان قيمته الحقيقية، وتقدره وتقدر جوهره دون أن تطلب منه أن يغير نفسه لكي يكون مؤهلا ليتناسب مع العالم الرأسمالي؛ لذا علينا أن نجرب ونرى ما هي الخيارات الأفضل حسب اختلاف السياق المكاني والزماني للإنسان، وهو جوهر ما أدعوا له في كتابي
أعتقد أن هذه مسألة تقودنا للحكمة كذلك. على الحكمة أن تقودنا لأن نتحلى بالشجاعة المطلوبة من أجل تجريب ما إذا كان قدرُ الإنسان سيكون أفضل إذا غيّر نظامه الرأسمالي وجرب نُظما أخرى قد تعطي للإنسان قيمته الحقيقية، وتقدره وتقدر جوهره دون أن تطلب منه أن يغير نفسه لكي يكون مؤهلا ليتناسب مع العالم الرأسمالي؛ لذا علينا أن نجرب ونرى ما هي الخيارات الأفضل حسب اختلاف السياق المكاني والزماني للإنسان، وهو جوهر ما أدعوا له في كتابي.
السعي اللامتناهي في "تنمية الذات" ليس سوى عرض لمرض العصر، المتمثل في الثقافة الرأسمالية.
دعونا نغير النظام بأكمله لأنه إذا كان كل ما حولنا علائقيًّا حقا، فإنّ ما أنا عليه وما يمكن أن أصبح عليه مرتبط بهذا النظام العلائقي وهذه البيئة الأكبر؛ لذا من المهم جدا أيضًا الانشغال بالسياسة ومحاولة فعل الخير للمجتمع ككل للعثور على ما يمكن أن يكون مفيدا للصالح العام، وأن يكون تفكيرنا مرتبطا بالآخر والفضاءات الأوسع لأن منظومة أخلاقنا عليها أن تكون كونية من أجل بناء سياسة عالمية جديدة تؤنسن الإنسان أكثر وتركز على المجتمع بدل التمركز على الذات. والسعي اللامتناهي في "تنمية الذات" ليس سوى عرض لمرض العصر، المتمثل في الثقافة الرأسمالية.
التقنية بصفة عامة والذكاء الاصطناعي جزء من المشكلة، ولكن يمكنها أن تصبح أيضا جزءًا من الحل؛ نحن بحاجة إلى تكنولوجيا مختلفة، تساعدنا على تحقيق نوع مختلف من المعرفة الذاتية وتحسين الذات
نعيش اليوم في زمن الذكاء الاصطناعي، وهو ما يشكل تهديدات عديدة للبشرية، إلا أننا نجدك ترى أن الذكاء الاصطناعي والتقنية ليست فقط جزءًا من المشكل ولكنها كذلك جزء من الحل، كيف ذلك؟ وما علاقة الذكاء الاصطناعي بـ"التنمية البشرية"؟
التقنية بصفة عامة والذكاء الاصطناعي جزء من المشكلة، ولكن يمكنها أن تصبح أيضا جزءًا من الحل؛ نحن بحاجة إلى تكنولوجيا مختلفة، تساعدنا على تحقيق نوع مختلف من المعرفة الذاتية وتحسين الذات؛ نوع لا يتعلق بالكمية بل بالكيفية، نوع يعرف حدوده، ويوفر نوعًا أكثر استدامة وأعمق للذات من أجل إحداث تنمية عميقة مثل تلك التي روجت لها تقاليد الحكمة القديمة والإنسانية، وحيوية مثل تلك التي تطورت في الثقافات غير الغربية، نحن بحاجة إلى تقنيات تساعدنا على فهم أنفسنا بطريقة علائقية ورؤية الآخرين كشركاء في العمليات الذاتية والمجتمعية، وجماعية تجعلُ الذات أكثر حكمة بدل جعلها ذاتًا أكثر استهلاكية.
نحن بحاجة إلى تكنولوجيات تغير المجتمعات وتخلق ثقافات جديدة أفضل، قد تبدو هذه الطريقة غريبة لأننا اعتدنا على التفكير في التكنولوجيا بطرق لا علاقة لها بالتنمية البشرية والمجتمع والثقافة، وهذه مقاربة خطأ تحتاجُ إلى تغيير، لأننا أمام تكنولوجيا تتشابك مع الثقافة الإنسانية بطرق مختلفة ومعقدة. فالتكنولوجيا ترتبط بذواتنا أكثر مما نتخيله، وعليه فيجبُ علينا تحويلها إلى سلاح يعززُ ذاتية الإنسان المتصالحة مع المجتمع وبعده العلائقي، بدل أن نجعلها وسيلة لفصلنا عن المجتمع وتحوُّلنا إلى أشياء يكمنُ سلعنتها.
سبوتنيك – تدعم الدولة الليبية أسعار الوقود، ما يجعلها الأرخص
عالميا، وهو ما زاد أطماع المهربين، الذين يحاولون استغلال قوت المواطن الليبي في
عمليات تهريب مشبوهة لم تنتهي رغم الجهود المبذولة لمكافحته.
وبعد زيادة أعداد عمليات تهريب الوقود في البر والبحر والصحراء جنوبي ليبيا، حصل
شاب ليبي على براءة اختراع من مركز البحوث الصناعية الليبي، كونه اخترع جهاز حماية
إلكتروني يقضي على عمليات التهريب عن طريق التتبع والتدقيق في قيم الوقود وصولا
لمراكز التوزيع عن طريق التتبع الإلكتروني.
حاورت “سبوتنيك” الشاب الليبي محمد عامر، مبتكر المنظومة التي سوف
تسهم بشكل كبير في منع عمليات تهريب الوقود، في محاولة لوضع حل جذري ونهائي لمشكلة
التهريب، التي تسببت في خسائر كبيرة للدولة الليبية.
بداية الفكرة
قال عامر: ” جاءت هذه الفكرة بهدف حل أزمة التهريب، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد
نقص الوقود، وما يتبعه من أزمة كبيرة تتأثر بها جميع المدن والمناطق في ليبيا،
التي تشهد طوابير طويلة للحصول عليه”.
وتابع: “عمليات التهريب عبر الصحراء وفي عرض البحر لا تخفى على
أحد”.
وأردف: “حاولت التركيز على حل المشكلة واتضح أن لا توجد حماية
إلكترونية دقيقة، وتوصلت إلى حل نهائي يحد من مسألة التهريب”.
طريقة عمل الجهاز
أوضح عامر أن “الجهاز يعمل بحماية ومراقبة إلكترونية، وكانت البداية من المستودعات
والأرصفة النفطية، بوضع عداد إلكتروني على الصمام يقوم بحساب عدد اللترات التي تصل
للمستودعات القادمة عن طريق الأرصفة النفطية، ويقوم برصد الكمية الداخلية، برقم
مرجعي يمكن الاستناد إليه”.
وقام المخترع الليبي بعمل حماية ومراقبة إلكترونية لشاحنات نقل الوقود، التي تعتبر
أكثر نقاط التهريب، حيثُ زودت الشاحنة بصمام إلكتروني لا يمكن فتحه إلا عن طريق
غرفة التحكم، في المكان المعتمد للتفريغ في المحطة الأرضية، ومنها يمكن حساب كمية
الوقود التي سوف يتم إفراغها في محطة التوزيع عن طريق عدادات وإرسالها كقيمة قراءة
لغرفة التحكم وفي المكان المحدد من قبل شركة التوزيع، ومن هنا لا يمكن التلاعب
بالقيمة أو تهريب الشاحنة أو تغيير خط سيرها.
وأردف: “وبعد ذلك مرحلة مضخة الوقود تم وضع جهاز حماية وقارئ إلكتروني في مسدس
محطات التوزيع، بحيث يقوم بقراءة بيانات السيارة بمجرد وضع المسدس في خزان
السيارة، وكم هي القيمة المستحقة التي تحتاجها، ومن هنا تم اغلاق جميع ثغرات
التهريب”.
أهمية الجهاز
وصف محمد عامر، أهمية الجهاز بأنها استراتيجية تقوم بخدمة ليبيا ودول الجوار التي
تعاني من عمليات تهريب الوقود، التي أثرت بشكل كبير على ليبيا ودول الجوار، وقال
إذا تم القضاء على هذه المشكلة سوف يتم القضاء على 70 في المئة من المشكلة
التي تواجهها ليبيا.
ويأمل عامر أن يتبنى المسؤولون بقطاع النفط من الحكومة وشركات التسويق تبني هذا
المشروع بشكل عاجل لأنه سوف يسهم في عملية استقرار البلاد بنسبة كبيرة جدا.
وشارك عامر في معرض ليبيا للمشروعات الصغرى برعاية المؤسسة الوطنية للنفط، وتم
توثيق الجهاز ونشر فيديوهات للجهاز على مواقع التواصل الاجتماعي وحظي بانتشار واسع
وحقق ملايين المشاهدات، وحاول نقله للجهات المسؤولة، التي أثنت على الجهاز بدون
دعم رسمي، حتى تم التواصل مع إحدى الشركات النفطية التي تبنت الجهاز، وحاولت
التواصل مع شركة البريقة لتسويق النفط والغاز.
محاولات دولية
سافر محمد عامر، للصين وتوصل إلى حل حول تصنيع الجزء الأول كتجربة في دولة الصين،
وأحضر المعدات وتم تركيبهم في محطات الضخ، وسيارة للتوزيع كاختبار أولي، وسيتم عمل
تجربة خلال اليومين القادمين تهدف لمراقبة كاملة لعمل الجهاز وفاعليته، طالب
متمنيا أن يتم دعم المشروع بالشكل المطلوب من قبل مؤسسات الدولة وكل الجهات
المعنية.
ردود فعل
بعد ذلك تم استدعاؤه من قبل المؤسسة الوطنية للنفط وإحالته لشركة البريقة المختصة
في تسويق وتوزيع الوقود والغاز، واعجبت البريقة بهذا المشروع، بالإضافة إلى توصيات
مكتب النائب العام الذي ثمن هذه الجهود، وديوان المحاسبة، الذي كثف اجتماعاته بهذا
الخصوص، بالإضافة إلى الكثير من الجهات المعنية بوزارة الداخلية وغيرها أصبحت
داعمة للمشروع.
ويسعى محمد عامر لتحقيق أهداف الجهاز، وأشار بأن عدد المحطات أكثر من 480 محطة على
الأرض، بالإضافة إلى 90 % من محطات المناطق النائية مغلقة بالكامل حسب تقرير فريق الخبراء
التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى تقرير ديوان المحاسبة 2021 الذي جاء فيه أن
مشاكل التهريب قيمتها بلغت 2.5 مليار دولار وهذا رقم كبير، تضاعف في عام 2023.
وأضاف: “يتم العمل للقضاء على عمليات تهريب البنزين بنسبة 95 % وتتمثل قيمة الـ 5 % الباقية كشوائب مصاحبة، ولكن سيتم القضاء على عمليات التهريب بشكل
كبير”.
وأكد عامر أن الطموح موجودة والعمل يمضي بشكل متوازي في هذا المشروع، بالإضافة
لمشاريع مماثلة أخرى، مشيرا إلى أنه يأمل أن يكون هناك سرعة في الدعم حتى يتم
الانتهاء من هذا المشروع والالتفات لمشاريع أخرى.
وترك عامر جميع أعماله من أجل إنجاح هذا المشروع الذي يخدم المواطن البسيط، لأن
مشاكل التهريب حرمت الجميع من حقوقهم، ولذلك طالب بضرورة وقوف المواطنين معه
لإتمام نجاح هذا المشروع.
مهرجان الشباب في سوتشي
وعن مشاركته في مهرجان الشباب العالمي في سوتشي الروسية، قال المخترع الليبي محمد
عامر، إن المشاركة كانت ممتازة، حيث كانت لديه رسالة حاول إيصالها في هذا المهرجان
لكونه ضم عدد كبير من الدول المشاركة، حيثُ بلغت عدد الدول 185 دولة على مستوى
العالم، وكان فحوى رسالته بأن الشباب الليبي منفتح على العالم، وقادرون على حل
أزمتهم بأنفسهم، ويريدون التواصل مع العالم بلغة الند للند، وأن الشباب الليبي
قادرون على الابتكار والاختراع.
وتم استعراض الجهاز الذي اخترعه ومنظومته الإلكترونية في معرض مصاحب لفعاليات
المهرجان انبهر الجميع من هذا الاكتشاف، واعجبوا بمجهوده ومشاركته، ووصلت رسالته
لجميع الشباب الحضور في المهرجان، وقال إن روسيا كانت دولة جميلة وتقدم بجزيل
الشكر لروسيا وللجان المشرفة والمنظمة للمهرجان على حفاوة الاستقبال والتنظيم
الرائع.